شنَّت السلطات الفيدرالية في أديس أبابا في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حملة عسكرية على جبهة تحرير التيغراي، بعد الانتخابات التي أجراها الإقليم في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقد قتل أكثر من مئة مدني في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي في مذبحة في ميتيكل.
وكانت الحكومة الفيدراية بقيادة آبي أحمد قد أجلت الانتخابات في عموم بحجَّة تفشي فيروس كورونا، الذي ألحق أضرارًا بإثيوبيا.
واستغل آبي أحمد ظروف الجائحة للبقاء في السلطة دون انتخابات، وهو ما أثار اضطرابات داخلية واسعة، سقط فيها قتلى وجرحى في مواجهات بين محتجين وقوات الحكومة.
وأطلق رئيس الوزراء آبي أحمد هجومًا عسكريًا بزعم استيلاء قوات تيغراي على قاعدة عسكرية في ميكيلي، عاصمة الإقليم، وهي تهمة تنفيها قوات تيغراي.
توتر قديم
هذا التوتر بين الجانبين ليس وليد الساعة، لأنه كان يتنامى منذ فترة طويلة؛ إذ كانت جبهة تحرير شعب تيغراي، التي ظلت الحزب السياسي المهيمن في إثيوبيا لعقود، تتنازع مع حكومة آبي منذ توليه السلطة في عام 2018.
وبعد انتخابه بوصفه “زعيمًا إصلاحيًّا”، اتهم رئيس الوزراء المسؤولين في الحكومات السابقة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأقال آبي أحمد شخصيات بارزة في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من المناصب التي كانوا يشغلونها في الحكومة المركزية.
وشمل ذلك رئيس المخابرات السابق والمسؤول البارز في جبهة تحرير تيغراي، غيتاشيو آسفا، الذي أفلت من الاعتقال وفرَّ إلى تيغراي.
وعمَّق آبي أحمد هذه التوترات، عندما قرر في 2019 دمج الأحزاب القائمة على أسس عرقية التي شكَّلت تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الحاكم لتأسيس حزب الازدهار.
وعارضت جبهة تحرير شعب تيغراي القرار الذي قالت إنه سيقسم البلاد، ورفضت الانضمام إلى حزب الازدهار.
وخلال العام الماضي، اتسع الخلاف بعد أن أجَّلت الحكومة الفيدرالية الانتخابات على مستوى البلاد.
وكان قرار إقليم تيغراي بإجراء انتخابات خاصة بالإقليم وحده في سبتمبر/أيلول، بمثابة تحدٍ غير مسبوق للحكومة الفيدرالية، ووصف البرلمان الاتحادي العملية بأنها “غير قانونية”.
ومنذ ذلك الحين، بدأت كلتا الحكومتين بنعت بعضهما البعض بأوصاف: “غير شرعية وغير دستورية”.
وسبق أن وجهت جبهة تحرير شعب تيغراي تهديدات مبطنة بالانفصال، مستشهدة بمادة في الدستور الفيدرالي تسمح “بالحق غير المشروط في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الانفصال”.
وقال زعيم المنطقة دبرصيون جبرميكائيل في أغسطس/آب الماضي: “لن نتنازل أبدًا لأي شخص ينوي قمع حقنا، الذي كافحنا من أجل الحصول عليه، في تقرير المصير والحكم الذاتي”.
وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت الحكومة الفيدرالية قطع العلاقات مع منطقة تيغراي، وصوَّت مجلس الشيوخ في البرلمان على تعليق ميزانية المساعدات المخصصة للإقليم.
أهمية تيغراي
منذ الإطاحة بالزعيم الماركسي منغستو هيلا مريام، في عام 1991 وحتى عام 2018 ، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي الشريك الرئيسي في الائتلاف الحاكم، فضلًا عن إدارة إقليم تيغراي نفسه.
ولعبت الجبهة، بوصفها قوة مدربة على حرب العصابات، دورًا محوريًا في الإطاحة بمنغستو، وواصلت هيمنتها، ليس على سياسة البلاد فحسب، بل وعلى اقتصادها أيضًا.
ويمثل خلاف الجبهة مع آبي أحمد تصدُّعًا عميقًا في قلب السلطة في البلاد.
فقد خدم معظم زعماء تيغراي الإقليميين، بمن فيهم دبرصيون، في الحكومة المركزية لفترات طويلة من الزمن.
و دبرصيون، مقاتل مخضرم، كان في وقت من الأوقات نائبًا لرئيس الوزراء. كما شغل رفاقه ومستشاروه مناصب رئيسية في البلاد حتى وصول آبي أحمد إلى السلطة.
أهداف جبهة تحرير تيغراي
ترى إدارة تيغراي أن إصلاحات آبي أحمد هي محاولة لبناء نظام حكومي موحد يدمر النسق الفيدرالي الحالي.
كما أنها مستاءة مما تسميه صداقة رئيس الوزراء “غير المبدئية” مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
وفاز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام عام 2019 لجهوده لإحلال السلام مع إريتريا، العدو القديم طويل الأمد لإثيوبيا.
لكن جبهة تحرير تيغراي تشعر بأن الحكومة الفيدرالية تتغاضى عن مصالح الإقليم، وتريد أن يكون لها رأي أكبر في العلاقات المستقبلية مع الجارة، إريتريا.
بيد أن رئيس الوزراء يعتقد أن مسؤولي جبهة التحرير يقوِّضون سلطته.
وثمَّة خلاف قديم بين جبهة تحرير تيغراي وحكومة إريتريا، التي لها حدود طويلة مشتركة مع الإقليم.
وقد بدأت الحرب بين إثيوبيا وإريتريا بين عامي 1998-2000 بسبب نزاع حول الأراضي الواقعة على طول تلك الحدود، ولا سيما المنطقة المحيطة ببلدة بادمي.
ولا يزال وضع هذه البلدة معلقًا بدون حل، إذ تريد إريتريا من إثيوبيا الالتزم بقرار لجنة الحدود، المدعومة من الأمم المتحدة، بتسليم المدينة إليها.
بيد أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من دون تعاون حكومة الإقليم، التي تدير هذه المنطقة.
وفي بيان عن الهجوم على قاعدة للجيش الفيدرالي، اتهم مكتب آبي أحمد جبهة تحرير تيغراي بإلباس جنودها ملابس عسكرية تشبه زي جيش إريتريا المجاورة في محاولة لتقديم “زعم كاذب عن توريط الحكومة الإريترية بالهجوم على شعب تيغراي”.
واتهم زعيم تيغراي، دبرصيون، القوات الإريترية بالقتال إلى جانب القوات الإثيوبية ضد تيغراي. وقد نفت كل من إثيوبيا وإريتريا ذلك.

احتمالات حرب شاملة
سبق أن قال زعيم إقليم تيغراي إن قواته مستعدة للقتال للدفاع عن المنطقة التي ستكون “مكانًا لدفن الرجعيين”، داعيًا أهالي الإقليم إلى تفهم الوضع واتخاذ جميع الاستعدادات اللازمة.
كما أصدرت جبهة تحرير تيغراي وثائق لجمع الأموال من أجل جهودها وتجهيزاتها للحرب.
وقال دبرصيون قبل المواجهة العسكرية: “لقد قمنا بإعداد جيشنا وميليشياتنا وقواتنا الخاصة. وتهدف استعداداتنا إلى تجنب الحرب، لكن إذا أردنا القتال، فنحن جاهزون للفوز”.
وفي تبرير المواجهة العسكرية، اتهم مكتب آبي أحمد، جبهة تحرير شعب تيغراي “بالاستفزاز المستمر والتحريض على العنف” قائلًا إنهم “تجاوزوا الخط الأحمر الأخير”.
وأصدرت حكومة آبي أحمد مذكرات توقيف بحق قادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، وعيّنت قائدًا جديدًا للمنطقة، متوقعة أن الحرب ستنتهي سريعًا.
وثمَّة قلق من أن الصراع في إقليم تيغراي، الذي يمثل حوالي 6 بالمئة من سكان إثيوبيا البالغ عددهم أكثر من 100 مليون شخص، قد يؤدي إلى تفاقم التوتر في بقية أجزاء هذا البلد المنقسم عرقيًّا.